كون النظافة من الإيمان .. فهل عامل النظافة أنظف من بعض المواطنين ؟..
دائما نسمع عن شكاوي المواطنين حول النظافة "نظافة الطرقات" … ثم نرمي اللوم على تقصير عمال النظافة بأداء واجبهم ..
و نتناسى ما يفعله بعض الموطنين من نظافة وأن النظافة تبدأ من الذات, فجميعاً يجب أن نكون عمال نظافة لأنها من الإيمان, لذلك بعيداً عن شكاوي المواطنين عن تقصير عمال النظافة سنسمع شكاوي عمال النظافة على بعض المواطنين و سلوكهم.
فكان للسفير سورية اللقاءات التالية:
العم محمد حسين مغلية: تكلم عن معاناته من بعض أصحاب المحلات الذين يرمون الأوساخ في الطريق والحاوية بجانبهم أو تبعد عنهم بعض الأمتار, ثم برر قائلاً لو كانت الحاوية تبعد 200 م لما اعترضت, فبعض أصحاب المحلات وبحسب مهنهم لديهم كراتين أكبر من العربة التي معه, فما الطريقة لإزالتها فلا يمكن لعربته أن تتسع كل هذه الكمية فهم يضعون هذه الكمية الكبيرة أمام المحل وتمنى بعض الذوق منهم و أن يرمون هذه الأوساخ بالحاوية فالنظافة لهم و للبلد, وذكر بأننا بفصل الصيف مما يزيد من انتشار الذباب والقوارص, فتنتشر الأمراض وأشار إلى أن الشوارع مليئة بالقزاز والأكل وأكياس الشيبس, فبعض الشعب لا يقدر تعبهم فذكر لنا حالة تتكرر معه بأنه ينظف الطريق أمام محل لبيع السندويش ويأتي له زبون يشتري ما تيسر له, والزبون يري أن العم محمد أنهى كنس الشارع فيمشي بعض الخطوات ويرمي الورقة بالطريق رغم أن الشارع نظيف, فهذا نموذج من المواطن غير المتحضر.
في حين عامل أخر رفض التعريف باسمه حين سألته إن كان الجهد الذي يبذله و التعب يعود عليه بمردود مادي جيد فكان جوابه بـ لا و قال أنه متعاقد مع متعهد من فترة لا تتجاوز الثلاثة شهور و بحسب قوله (أذا أخذت الأجر منه فمن النادر تحصيله في أول الشهر, قائل إن حصلته بـ 10 أو 15 الشهر أشكر الله) فالمتعهد لا يقدر التعب الذي يعانيه جميع العمال المتعاقدون معه, (فنحن لدينا أطفال يريدون الطعام ونحتاج خبز "خيرات الله" و لدي "أجار بيت بـ 25 الف" وأن تأخرت عن الدفع يقول لي صاحب البيت عليّ الخروج منه لتقصيري بالدفع), كما ذكر أنه يتقاضى مبلغ 25 ألف من المتعهد شهرياً لكنه مجبر كون وضعه المادي سيء فهو يعمل عمل إضافي لتلبية مستلزمات بيته, وقال (و الله أني حتى عقب السيجارة أقوم بإزالتها من الشارع) وبصباح اليوم الثاني الشيء لا يوصف لكثرة الأوساخ بذات الطريق, ثم تمنى من الله الفرج للبلد و رجى طالباً عودة الأمن لتعود حياته كما كانت فيحظى بجميع حقوقه.
كما لا ننسى نظرة المجتمع لهذا العامل التي تدل على الاحتقار طبعا ليس كامل المجتمع ولكن هذه النظرة من بعض الأشخاص الذين وجدوا في نفسهم التكبر ونسوا أن الكبرة لـ لله فقط و كيف نسيَ هؤلاء أن جميعنا أولاد "تسعة" فسمحوا لأنفسهم باستعباد هذا العامل من خلال رميهم للأوساخ في الشارع والله "خلقنا لنكمل بعض"
فيأتي من يشتكي على تقصيرهم ويطالب البلدية بمعاقبتهم أو يعاقبهم هو بإسماعهم بعض الكلمات و أقلها "زبال" وللتذكير فقط أن هذا العامل ينظف بيته الكبير سورية كما تفعل أنت في بيتك الصغير ولا فرق بينهم وبيننا.
و برغم هذا العمل الشاق إلا أن الحاجة دفعت هذا الشخص للعمل بهذا المرتب الشهري القليل ليبتعد عن أكل الحرام وما يغضب الله, العم محمد وغيره من العمال وبراتب الـ25 ألف يقومون بتنظيف الشوارع ليس لأجل المال فقط و إنما لإظهار المدينة نظيفة و جميلة.
فكيف يتوجب علينا رد فضل هذا العامل وكيف نعيد له كامل حقوقه المهدورة ..
فهل يوجد لدينا نقابة لعمال النظافة؟ .. فهم مساكين يحتاجون من يصون حقوقهم و يدافع عنها في حال التعرض لأي إساءة .. فما يسمعونه من كلام جارح أثره أكبر من الجروح المادية, فأثره في النفس يدوم كالندبة في القلب.
ويجب إدراك أنه علينا إعادة تأهيل أطفالنا فالمستقبل يحتاج شباب ذو ثقافة عالية وحضارة كبيرة يتعلم من خلالها أدب التعامل مع هذا العامل فكما سمعت من أحد المارة خلال لقائتي مع بعض الأشخاص.
ذكر العم أبو خالد أنه في الحي الذي يقطن فيه صبية يحتاجون لإعادة التربية و العصى لما ينطقونه من كلام جارح تجاه هذا العامل الشريف الكادح و المحترم في كسب عيشه, فكان مني الرد بأن العصا يحتاجها الأهل فهم من يربون.
ومن ثم التقيت سيدة في السبعينات من العمر تدعى أم حسام تسكن في طابق أرضي قالت بأنها ترى هذا العامل كل يوم يقوم بمجهود كبير وهو يكنس شارع الحي ثم ينحني ليلتقط هذه الأوساخ ويتكرر فعل هذا لينتهي من عمله, وهذا لشيء مجهد ومؤلم.
و أرجو من جميع الأخوة المواطنين أن يكونوا كما أم حسام بإحساسها وشعورها اتجاه هذا العامل.
علي ياغي