رغم شظف العيش وصعوبة الحياة ، وعدم حصوله على الشهادات العليا ، ومجال عمله البعيد عن البحث والتأليف ، والعائلة والأولاد ومتطلبات عيشهم وتعليمهم ، كل ذلك لم يمنع هذا الباحث من الولوج الى معارج البحث والتقصي ، ومعرفة دروب المكتبات ورفوف الكتب والمخطوطات العتيقة ، ومعرفة فن استنطاق الوثائق التاريخية المعقدة ، ليصيرها كتباً علمية ذات قيمة وفائدة للباحثين والمتعلمين من الأجيال الصاعدة .. إنه الباحث والمؤرخ : غسان إبراهيم جزعة ..
والذي حدثنا قائلاً :
نشأت في بيئة ريفية ذات ظروف قاسية وعائلة كثيرة العدد كنت أصغرهم سناً، وكان والدي مختار القرية ويعيل أسرة كبيرة في ظروف من العوز والفقر زرعت بداخلي العزيمة والهمة لإنجاز شيء ما، حيث إمكانيات الحياة الصعبة والمدارس البعيدة عن قريتي “بحوارة” حرمتني من إتمام تعليمي، ونتيجة لتلك المرحلة، انتقلت عام 1970 إلى “اللاذقية” قبل الحصول على الشهادة الإعدادية ثم انتقلت إلى بيت أخي في “دمشق” الذي كان ضابطاً في الجيش ويتمتع بعلم وثقافة واسعين، شجعني وساعدني من خلالهما على تقديم امتحان الثالث الإعدادي والنجاح به، ثم تطوعت بالجيش صف ضابط، وتزوجت بعمر عشرين عاماً وبعد خمسة أعوام أصبح لدي خمسة أولاد بذلت جهداً مضاعفاً لإعطائهم حقهم في الحياة والعيش وتربيتهم تربية صحيحة وإيصالهم للتعليم الجامعي»
رهبة الكتابة ..
لا انكر خوفي قبل البدء في الكتابة وعدم الثقة بالنفس لسببين أنها التجربة الأولى، والثاني بسبب عدم حصولي على الشهادة العلمية حيث كان الواقع أقوى من تحقيق تلك الأمنية، فقد كان عمري ستين عاماً حين قررت نشر مؤلفاتي بعد بحث كبير، لا شك أنه كان تحدياً وإنجازاً كبيراً أن أخوض غمار هذه التجربة وخاصة أنني تقاعدت من عملي وأصبح لدي الوقت الكثير لأدخل عالم الإنترنت والبحث في مكتبتي، وكان التاريخ الإسلامي مفتاحي للبحث والقراءة من خلال التاريخ أفهم العصر والوقائع، وهي رحلة بحث أقوم بها بشغف وتعمق كان دافعي الرئيسي هو أخي الكبير وثقافته العالية وإلمامه بالكثير من المعلومات المنوعة، استعنت بمكتبته وببعض الجلسات الحوارية التي انطلقت منها بتأليف كتابي “المهالبة في التاريخ” وهي المنطقة الجغرافية والتاريخية التي أنتمي لها، وأصبحت لدي تساؤلات نتيجة القراءات التي قرأتها لمعرفة من هم “المهالبة”، بذلت جهداً وبقيت عامين ونصف العام أبحث، وقرأت 450 كتاباً لأجمع كتاباً عنهم، وتبين أنهم 70% من سكان الساحل السوري من “صافيتا” إلى “أنطاكية”، اعتمدت على كتب التاريخ في الدرجة الأولى والمخطوطات الباقية من أجدادنا، وطبعت الكتاب عام 2011»
مؤلفات هامة ..
وعن مؤلفاتي الأخرى: كان الكتاب الثاني بعنوان “السلطان إبراهيم بن الأدهم بين الحقيقة والأسطورة شخصية تحتاج التوقف والبحث عنها بحثت لمدة سنة وقدمت عنه كتاباً يضم سيرته وأعماله ومحطات حياته، والكتاب الثالث “الكنى والأنساب والألقاب في الساحل السوري” التي تثبت عروبة الشخص وأصوله وجذوره، أما الكتاب الرابع “النشأة الأولى للبشر على الكرة الأرضية” من خلال متابعة المجلات العلمية عملت مقاربة بين الرسائل السماوية التي تحدثت عن خلق الإنسان من الطين وما توصل له العلم الحديث، وهو كتاب علمي بحت قمت بنشره عام 2019
بحوّارة قريتي ..
قرية بحوارة 420 م هي قرية آرامية على هضبة تطل على البحر الأبيض المتوسط تتبع ناحية الفاخورة ومنطقة القرداحة ترتفع عن سطح البحر حوالي 420 م وتبعد عن اللاذقية 27كم جنوب شرق تكسوها اليوم أشجار الزيتون التي زرعت مكان أشجار السنديان والبلوط المعمرة وبعض الأشجار المثمرة كانت تشتهر بزراعة التبغ لكن الدولة منعت زراعتها تسميتها كما ورد في كتاب الاستاذ محمد حطاب أسماء بعض القرى وتاريخها بحوّارة تحولت ألفها إلى تاء التأنيس وتطلق على التربة البيضاء الناعمة من بيت الحوّار أو البيت الأبيض إذاً هي قرية آرامية منذ القدم فيها العديد من النواغيص والمدافن الرومانية حيث سكنها الرومان ومن ثم سكنتها المسيحية حيث كانوا يبنوا بيوتهم في الصخر هذا الحجر الكلسي الذي كان يطاوع العمال لهشاشته والدليل على مسيحيتها وجود قرية خريبات الخشخاشة شمالها ومن بعدها قرية دير زينون شمالاً أيضاً ودير زينون نسبة للقديس المصري والذي بنى له المسيحيين عدة تشريفات في سوريا ولبنان منذ حوالي 300 سنة سكنها آل جزعة قادمين من حمص على أنقاض البيوت المسيحية المنحوتة بالصخر ثم حضرت بعض العوائل محتمين بأهلها من الظلم وسكنوا معهم بأمان تبعد عن الفاخورة شرقا حوالي 4 كم ، مساحتها حوالي 11كم مربع عدد سكانها يفوق ألف نسمة تخرج منها العديد من المهندسين والأطباء ومنهم من دخل الكلية الحربية هي قرية وادعة أهلها طيبين يَكرمون الفقير اعتمادهم الكلي اليوم على شجرة الزيتون والوظيفة وجمع الغار من البراري البعيدة من أجل لقمة العيش عشت فيها طفولة قاسية من الفقر والعوز ولا أنسى بعض الذكريات الجميلة حيث كنا نجتمع على ضوء القمر صبيان وبنات نلهوا ونردد الأغاني الريفية متل سكابا يا دموع العين وغيرها
أما بعد ..
بعد هذه الجولة السريعة في حديقة الباحث والمؤرخ غسان جزعة واطلاعنا على مؤلفاته الغنية بمعلوماتها والموثقة ببياناتها ، والتي تضاهي مؤلفات الأكاديميين شكلاً ومضموناً ، وتزيد عليها بجدية موضوعات بعد كتبه وأبحاثه التي لم يتطرق لها أحد قبله ، كل التحية والاحترام لجهود هذا الباحث الصبور والمجتهد ، على أمل اللقاء معه بكتب وأبحاث جديدة ..فله ولأمثاله كل التحية والاحترام .
داود عباس – رهِف عباس