المرأة السورية بين دمعة الأمس و بسمة الغد
ما بين شهيد و معتقل و مفقود و مصاب ، و ما بين أم و زوجة و ابنة و أخت شكلت الحرب واقعا مؤلما للمرأة السورية ، فتحملت من الفقد و الألم و العذاب الكثير و حملت المسؤولية فقامت بدور البديل عن الأب الغائب و كانت المعيل فعملت في ظروف صعبة و مجالات عدة لم يكن للمرأة السورية فيها وجود قبل سنوات بعد ارتفاع عدد النساء المعيلات لأسرهن .
الخنساوات السوريات في ذكرياتهن العديد من الأحداث و المواقف التي أثبتن فيها أن للمرأة في هذه الحياة رسالة و أنهن قدمن لهذه الرسالة الدمع ليسقي في الأرض شقائق النعمان و الصبر و العطاء و التضحية لأرض هي الأم الأولى .
السفير سورية التقت بمجموعة من السيدات السوريات اللاتي كن القدوة في عملهن و صبرهن و وطنيتهن .
السيدة ( ف . ع ) الأم لشهيد و مقاتل حدثتنا قائلة ( فقدت ابنتي الصغرى و هي طالبة في كلية الآداب أثناء عودتنا من حلب إلى مدينتنا برصاصة قناص مجهول و في هذا الوقت كان ابني الأكبر يقاتل مع رفاقه في الجيش العربي السوري فاحتسبتها عند الله شهيدة و زرعتها ذكرى في أرض مدينتنا التي ضم ترابها بعد ذلك ابني الأصغر الذي أصر على التطوع بعد وفاة شقيقته ليدافع عن الوطن إلى جانب أخيه لكنه نال الشهادة بعد أسبوع من تطوعه ، فواصلت بعد ذلك عملي و نحن لا زلنا نتنقل من مدينة إلى أخرى بحثا عن الأمان فتنقلنا بين الرقة و حلب إلى أن استقر بنا الحال في دمشق منذ سنة تقريبا ، و منذ أيام من الله علي بتسريح ابني الكبير بعد ثمان سنوات دافع فيها عن الوطن ، الآن أستطيع أن أعوض به كل أحزاني السابقة فسيبحث عن عمل و عن إنسانة تشاركه حياته ) .
الآنسة إيمان عبدالرزاق معاونة مدير مدرسة قالت : (منذ بداية الأحداث صممنا على العمل والمساهمة في الدفاع عن الوطن من خلال عملنا في القطاع التربوي كون المدرسة هي الحلقة الأهم في المجتمع ..
عملنا كإداريين ومعلمين ضمن فريق واحد وكانت الخطوة الأولى هي استمرار العملية التعليمية رغم كل شيء وقد تمكنا من ذلك من خلال الاستمرار بفتح المدرسة على الرغم من القذائف التي كانت تنهال يوميا على المدرسة أثناء الليل لبث حالة الرعب والهلع عند التلاميذ والأولياء والمعلمين على حد سواء
نجاحنا في تلك الخطوة أشاع جو الأمان والاطمئنان وساهم بشكل كبير في استقرار المنطقة رغم التهديدات التي كانت تواجهنا بشكل يومي وتواجهني أنا بالتحديد
وتتابعت الأعباء عندما تم الهجوم على محافظتي الرقة ودير الزور وريف دمشق وكان لدمر النصيب الأكبر من الوافدين حيث اضطر أهلنا هناك إلى التوجه لمناطق أخرى من وطنهم فكان لابد من العمل على استيعاب الكم الهائل من التلاميذ ودمج هؤلاء التلاميذ وهم من مناطق وبيئات مختلفة وأفكار متناقضة أحيانا في بوتقة المدرسة التي غدت وطنا"مصغرا" ونشر الوعي بينهم للتخلص من الفكر المتطرف الذي رافق البعض
وقمنا بالتعاون مع المجتمع المحلي والجمعيات الأهلية بإعادة التلاميذ المتسربين إلى المدرسة ضمن حملة ( المدرسة اشتاقتلك )
إضافة إلى بعض أنشطة الدعم النفسي لمعالجة العقد النفسية التي تعرض لها بعض التلاميذ نتيجة تعرضهم للخطف أو بسبب مشاهدتهم عمليات القتل والذبح التي جرت أمام أعينهم
ولم ننس صقل المواهب وتحفيز المبدعين من خلال المشاركة بمشروع بكرا النا لرعاية المواهب في مدينة دمشق … طبعا البلد إلى انفراج ولكن ظلال الأزمة لم تنته وتأثيرها سيبقى زمنا لذلك لابد من العمل المتواصل وتضافر الجهود للنهوض بالبلد من جديد).
الكاتبة و الصحافية نبوغ محمد أسعد زوجة صحافي عرف بنضاله و أم مقاتل في الجيش العربي السوري رأت الحرب تيارا جارفا فقالت (عندما وضعت الحرب أوزارها كان لابد أن نقف في وجه إعصارها الجارف ، لنرد عن وطننا كيد الطامعين ،وعبثيتهم ولكي لانسمح لهم بالنيل منا .
وقفت المراة إلى جانب الرجل في جميع المجالات وعلى كافة الصعد وأثبتت أنها قادرة على تخطي الصعاب، وخاصة أن أشد المعاناة وقعت على كاهلها كأم وزوجة
بدوري كمواطنة سورية وجب علي الوقوف إلى جانب زوجي وأولادي ومجتمعي في وجه هذا التيار الجارف لكل معالم الحضارة والثقافة والعلم وطمث الهوية العربية ، والقضاء على لغتنا الأم ،وهدم كل مابناه أجدادنا من أمجاد
فكنت رغم الظروف القاهرة .. كغيري من الأديبات ..أكتب في بعض الدوريات المواد الأدبية النقدية المتنوعة ، كالقصة والشعر وأدب الأطفال ، إضافة إلى كتابتي للأغنية الوطنية ، التي كان لي شرف تبنيها من قبل الإدارة السياسية وأيضا لحنت بعضها خارج الوطن ..لكن جل اهتمامي كان لأدب الأطفال ، اللذين يستحقوا الوقوف عندهم لأنهم بناة الغد
الطفل السوري في ظل الحرب تعرض لأقسى وأسوأ الظروف التي جعلت نظرته للحياة سوداوية وزرعت في قلبه الحقد والشر فغيرت نفسيته وحطمتها ..وهنا يكمن دورنا ككتاب ، فحق علينا أن نولي طفلنا جل الإهتمام ، بكافة المجالات لننزع من داخله هذه العدوانية ، وغرس كل القيم الجميلة التي تبعده عن مخلفات الحرب وإعطائه الفرصة للتعبير عن أفكاره كي نكون أقرب إلى عملية بنائه من جديد
فكان لي شرف المشاركة في العديد من الندوات الأدبية ،التي تهتم بأدب الطفل وكما صدر لي كتابين في هذا المجال الأول بعنوان (أطفال في زمن الحرب )الصادر عن دار فلستينيا ..والثاني بعنوان (قصص ومعارف في فوائد النبات )الصادر عن دار الحافظ ..وهناك مجموعات أخرى قيد الطبع ، ولي مشاركات عديدة ومتنوعة في الأجناس الأدبية ومشاريع مستقبلية هامة بالتعاون مع مؤسسات معنية ، غايتنا تحقيق الأهداف التربوية التي تنهض بمستقبل أطفالنا ، ونتمنى أن نكون على قدر المسؤولية بالعطاء لهذا الوطن وجيل الغد) .
المرأة السورية سليلة حضارة موغلة في عمق التاريخ ، توارثتها أبا عن جد ، لاتلوي ذراعها الملمات،ولاتستسلم للصعاب مهما عظمت وجارت. معدنها نفيس،قد يعلوه بعض الغبار لكنه لايستطيع إخفاء لمعانه أو التعتيم على بريقه وتبخيس أثمانه. .
هكذا بدأت حديثها السيدة ميسون الرداوي التي حدثتنا عنها قائلة ( أنا خريجة مدرسة القبالة بدير الزور(قابلة قانونية) دأبت على تطوير نفسي وتثقيف ذاتي لأوظف علمي في خدمة الآخرين.اتبعت دورات عديدة في شتى المجالات الطبية والإنسانية ومازلت منها(دورة مشورة صحيةقبل وبعد الزواج،دورة الأمراض النسائية،دورة وسائل تنظيم الأسرة،دورة التغذية السليمة،دورة الحملة الوطنية للكشف المبكر عن سرطان الثدي،دورة مناهضة العنف القائم على المرأة…..الخ).عملت في عدة مشاف حكومية وأهلية منها(المشفى العسكري بديرالزور،مشفى الساعي،مشفى البراعم بدمشق)كنت أوجه النازحين وأساعدهم عن طريق الجمعيات المساعدة في التوليد والعمليات وكل ذلك كعمل تطوعي ، فعملت بصمت ، كافحت ، كان همي ترك بصمتي ،واستحوذت على محبة كل من عمل معي ، همي مد يد العون، ومساعدة الآخرين بكل ما أملك من إمكانية دون منة . بادرت بنفسي و عملت على حث غيري على المساهمة والمشاركة بالتخفيف عن المقهورين .
في الأزمة عانيت ماعانت كل امرأة سورية من النزوح المتكرر إلى أماكن عدة . تحملت عبء أسرة مكونة من أربعة أطفال، منحتهم اهتمامي ،سهرت على تأمين احتياجاتهم وتدريسهم ليل نهار وفي أحلك الظروف. تابعتهم خطوة بخطوةإلى أن غدوا شبابا و تخرجوا من الجامعات وانخرطوا في ميادين العمل الشريف.كل من خالطهم يصفهم بالاستقامة وحب الوطن كما علمتهم .
هاجر أبنائي خارج القطر طلبا للرزق وتحسين لقمة العيش،أما أنا ففضلت البقاء في وطني ، كلما تذكرت أبنائي أتذكر شباب الوطن الذين سافروا بسبب الظروف العصيبة، وأشد مايؤلمني أننا خسرنا بسبب هذه الأزمة قوة شبابية لاتقدر بثمن . أكبر أمنية لدي أن يحفظ الله هذا الوطن و أبناء الوطن و أن يعود كل مغترب إليه ليعمر ويكبر بهم حينها سنرى سورية المنتصرة على كل ما أحيك ضدها وختاما محبتي واعتزازي لكل العاملين في جمعية تنظيم الأسرة السورية فهم لهم الفضل في كل الدورات التي اتبعتها وكانوا خير عون لي. وأخص بالذكر رئيس الجمعية الدكتور (المرحوم )بإذن الله محمد الديراني الذي رحل إلى جوار ربه صباح يوم الجمعة الماضي حيث ترك برحيله فراغا كبيرا كما أشكر الدكتورة جمانة النابلسي وجميع طاقم العمل الذين لايتوانون عن خدمة مجتمعهم بكل بكل الود والاحترام).
أما عن دور المرأة في القضاء فقد كان لقاء مع المحامية ( عاتكة جاجان ) و التي حدثتنا قائلة (المرأة السورية في الأزمة عملت و واجهت الظروف الصعبة واستطاعت أن تقف مواقف صلبة ، و أثبتت أنها من أعظم النساء فتهجرت وعانت وفرضت عليها ظروف صعبة فساندت الرجل ووقفت معه وكان لها دورها و سأتحدث عن دور المرأة المحامية التي هي ربما الأقدر على حل القضايا من بنات جنسها خاصة المتعلقة بالقانون فالمحاماة مهنة و ليست صنعة لتحقيق هدف سام ونبيل وهو العدل ، وتواجد المرأة المحامية أمر مهم واستبعادها خطأ . فأصبحنا نرى المرأة ترافع عن الأشخاص في المحاكم ، وتقدم الاستشارات القانونية و تشارك في تحقيق العدالة ، و تعاملت مع الموكلين من جميع الشرائح في المجتمع . و هذا كان يتطلب منها التطور الدائم والاطلاع على التطورات واللوائح وأيضا الارتكاز على نقاط القوة والنزاهة في الإدعاء .و والمرأة بشكل عام تتعامل ب(أريحية) مع امرأة مثلها ولا تجد أي إحراج في اتخاذ الاستشارات ولاسيما في الدعوى الشرعية من طلاق وتفريق وما إلى هنالك من الدعاوى التي تسببت إحراج للمرأة في أغلب الأحيان و التي تزايدت معدلاتها في السنوات المنصرمة ، كذلك الحال قضايا المخطوفين والمفقودين وغيابهم لسنوات لذلك اضطرت كثير من النساء إلى تكليف المحامين برفع هذه الدعاوى لأسباب تتطلبها الحياة واستمراريتها ولاسيما أن معظم هؤلاء النساء في مقتبل العمر وفي عمر الشباب ، و مما كثر في الأزمة كذلك عمليات الاحتيال والغش وبيع أملاك الغير وغيرها من الدعاوى التي كانت نتاج الوضع الذي فرض على المجتمع بشكل عام ، ومواضيع السرقات كسرقات السيارات والأشياء الثمينة وأيضا كتابة التقارير الكيدية ورفعهاو دعاوي القدح والذم ، ومن أخطر وأصعب القضايا هي قضية تشابه الأسماء مع أسماء الإرهابيين والمتطابقة في بعض الأحيان في المواصفات وهي من الأمور المعقدة وصعبة الاثبات . النساء السوريات هن خنساوات القرن وأمهات الشهداء و الصامدات الصابرات ).
متابعة أماني المانع